صديقي أرسل لي رسالة، نصها:يقول توماس أي (كيدا) في كتابه "لا تصدق كل ما تظنه":
"إن كنت تهتم للحقيقة فعلاً، فعليك أن تكون مهتماً في قدرتك على التمييز بشكل موثوق بين الحقيقة والزيف.رغم أنه ليس من السهل القيام بذلك دائماً، حيث تبرز المشكلة الرئيسية في أن عادات التفكير التي تخدمنا على ما يبدو في شؤوننا اليومية لا تصلح لأمور تتصل بقضايا أكثر تعقيداً.وللأسف، لم تُبذل في ثقافتنا المعاصرة إلا جهود ضئيلة لتحث الناس على القيام بهذه المهمة على نحو أفضل، وهذا يضر بنا جميعاً".
وكان تعليقي:
الحقيقة، مثل التغيير، لها بابان:
الباب الأول: المعرفة الصحيحة.
الباب الثاني: التطبيق الصحيح للمعرفة.
من دخل من الباب الأول قبل الثاني، فهو على الطريق الصحيح مهما كانت التحديات التالية.
ومن يعمل على الباب الثاني قبل أن يدخل من الأول، فقد دخل من بوابة الضياع وهو ما زال في البدايات.
طريق المعرفة:
رغم أن طريق المعرفة مليء بالتحديات التي تتوالد بلا نهاية، إلا أن البدء بالمعرفة الصحيحة قبل التطبيق يضمن صحة البداية بلا شك.
وبهذا يكون باقي الطريق قابلاً للتعديل، التحسين، التطوير، والتصحيح.
المعرفة الصحيحة وحدها هي الطريق إلى الحقيقة.
أبعاد الحقيقة في المجتمع:
صديقي أرسل لي بعدها مقولة جورج أورويل:
"كلما ازداد بعد المجتمع عن الحقيقة، زادت كراهيته لمن يتحدثون بالحقيقة".
قلت:عندما كانت المعرفة بسيطة، كانت الحياة بسيطة أيضاً.لكن مع تعقّد المعرفة وتشابك قنواتها وأدواتها ومصادرها، تاهت العقول في خضم هذا التعقيد، ولم تعد قادرة على إدراك الحقائق والمبادئ.
إن تشابك خيوط المعرفة جعل إنسان هذا العصر حالة فريدة من الضياع:
كلما زادت معرفته، زاد تعقيده.
يعرف الكثير عن الفروع، لكنه يجهل الأصول.
يدرك الخاص، لكنه لا يعي العام.
يرى الأجزاء، لكنه لا يرى الكليات.
يركز على المهم، لكنه يغفل الأهم.
النتيجة:
بات الطريق إلى المعرفة مضلَّلاً، وأصبح الإنسان:
يظن أنه يعرف ما لا يعرف.
يعتقد أنه لا يعرف ما يعرف.
يتوهم الحقائق، وهي أوهام.
يرى القبح في الجمال، والقوة في الضعف، والخير في الشر، والعكس صحيح.
الطريق إلى الحقيقة
الحاجة إلى منهج معرفي جديد:
أحد أكبر وأهم التحديات البشرية الملحّة الآن هو:
تنقية المعرفة.
تصحيح مفرداتها.
صقل معدنها.
باختصار، العالم بحاجة إلى منهج معرفي مختلف يعيد ترتيب أولويات المعرفة ويرشد العقول نحو الحقيقة.
خطوات للوصول إلى المعرفة الصحيحة:
التفكير النقدي: طوّر القدرة على تحليل الأفكار والمعلومات بعقلانية. لا تقبل كل ما يُعرض عليك دون تمحيص.
تعلم الأساسيات أولاً: ركز على فهم المبادئ الجوهرية قبل التوسع في الفروع.
تنويع مصادر المعرفة: لا تعتمد على مصدر واحد، بل استفد من التنوع المعرفي، واختر على أساس المرجعيات الـ٧ والمصادر الـ٧.
التطبيق التجريبي للمعرفة: لا تكتفِ بالنظريات؛ حاول تطبيق ما تعلمته لتكتشف مدى صحته.
التأمل والمراجعة: خصص وقتاً لمراجعة ما تعرفه وفهم ما قد يكون خاطئاً أو ناقصاً.
البحث المستمر: اجعل التعلم عادة يومية، وابحث عن مصادر موثوقة.
الوعي بتعقيد المعرفة: إدراك أن بعض القضايا تتطلب جهداً لفهم السياق العام والعلاقات بين التفاصيل.
الموازنة بين العلم والعمل: استخدم معرفتك بشكل فعّال في حياتك، واجعل التطبيق مرآة للتعلم.
المعرفة الصحيحة هي بداية الطريق إلى الحقيقة، وتطبيقها بوعي هو السبيل لبناء حياة أكثر اتزاناً ومعنى. إننا بحاجة إلى رؤية جديدة لتنظيم المعرفة وصياغتها بما يخدم الإنسان والمجتمع.
Comments